الملك فيصل بن عبد العزيز

الملك فيصل بن عبد العزيز: حكيم العرب وسيف البترول
في قلب الصحراء العربية، وتحديدًا في مدينة الرياض، وُلد الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود في أبريل 1906، ليكون منذ نعومة أظافره أحد أعمدة الدولة السعودية الناشئة. نشأ في بيت الحكم، وتربى على يد والده الملك عبد العزيز، فتعلم منذ الصغر الفروسية، والقرآن، وفنون السياسة. كان ذكيًّا، متزنًا، ويمتلك من الحضور ما يلفت الأنظار، حتى وهو طفل بين الكبار.
الفتى الذي صار سفيرًا ووزيرًا
في سن مبكرة، أرسله والده في بعثات دبلوماسية إلى أوروبا، ومثل بلاده في مؤتمرات دولية وهو لم يزل شابًا، ليصبح وجه المملكة في الخارج. ثم تولى وزارة الخارجية، فكان أول من فتح أبواب السعودية على العالم، وأول من قدّم للعالم صورة الدولة الحديثة المتجذّرة في القيم.
ملك في زمن التحوّل
تولى فيصل الحكم عام 1964 في لحظة دقيقة من تاريخ المنطقة والعالم. كانت الحرب الباردة على أشدها، والقضية الفلسطينية تنزف، والفتن تحيط بالأمة العربية من كل جانب. لكنه لم يكن ملكًا عاديًا، بل قائدًا يملك رؤية واضحة: بناء دولة قوية، معتدلة، مستقلة القرار، تقود ولا تُقاد.
التعليم أولًا، والنهضة للجميع
أطلق فيصل أكبر مشروع تعليمي شهدته المملكة في حينه، وأنشأ المدارس والمعاهد والجامعات، وفتح أبواب التعليم للبنات في قرار شجاع واجه به التيارات المتشددة. بنى دولة مؤسسات، واهتم بالبنية التحتية، ودفع المملكة نحو الحداثة بخطى ثابتة لا تنفصل عن جذورها الإسلامية.
نصير القدس وقائد معركة النفط
كانت فلسطين في قلبه، ولم تكن شعاراته للكاميرا، بل مواقف تُسجل. وقف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ودافع عن القدس في المحافل الدولية، ودعا لوحدة الصف العربي. وفي حرب أكتوبر 1973، سجّل أعظم موقف عربي موحّد عندما استخدم سلاح النفط كسلاح إستراتيجي، فقطع الإمدادات عن الدول الداعمة لإسرائيل، ليهتز العالم من تحت أقدامه. قال كلمته الشهيرة: “نحن وُلدنا في الصحراء، وسنعود للصحراء، ولن نركع إلا لله”.
استشهاد الزعيم ووداع الأمة
في يوم 25 مارس 1975، وبينما كان يؤدي عمله كعادته، تعرّض الملك فيصل لاغتيال غادر داخل القصر، فسقط صامتًا، لكن صدى مواقفه ظل يعلو. بكت عليه الأمة من الخليج إلى المحيط، ونعاه العرب كقائد لم يساوم، ولم يتنازل، وكان وفيًّا لقضاياهم حتى النفس الأخير.
إرث خالد في ذاكرة العرب والمسلمين
لم يكن الملك فيصل رجل سلطة فقط، بل كان رمزًا للحكمة، والكرامة، والعزة. زعيم جمع بين هيبة الملك، وقوة القرار، وبصيرة المصلح. اليوم، وبعد عقود من رحيله، لا يزال يُذكر بوصفه “حكيم العرب”، و”شهيد القدس”، و”صوت الأمة في زمن الصمت”.
Add a review
Your email address will not be published. Required fields are marked *