قلعة قايتباى

قلعة قايتباي: حارسة المتوسط ومجد الإسكندرية العسكري

موقع استراتيجي وتاريخ عريق
تقع قلعة قايتباي على طرف شبه جزيرة فاروس بمدينة الإسكندرية، في المكان نفسه الذي كان يعلو فيه قديمًا منارة الإسكندرية الشهيرة، إحدى عجائب الدنيا السبع. بُنيت القلعة عام 1477م بأمر من السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قايتباي، لتكون حصنًا منيعًا يحمي المدينة من الغزوات الصليبية والعثمانية، وواجهة عسكرية متقدمة لحراسة الساحل الشمالي المصري.

عبقرية في التصميم المعماري
صُممت القلعة بأسلوب مملوكي يجمع بين القوة والجمال، حيث تم تشييدها على هيئة مربع ضخم، يحيط به سور خارجي سميك، وتعلوه أبراج دفاعية في الزوايا. في قلب القلعة تقع البرج الرئيسي المكوَّن من ثلاثة طوابق، ويضم غرفًا للجنود ومخازن ومصلى. تتميز القلعة بقدرتها الدفاعية العالية، فقد بُنيت بأسوار سميكة وفتحات للمدافع، مما جعلها قادرة على صد أي هجوم بحري محتمل في ذلك الوقت.

وريثة منارة الإسكندرية
تتميز القلعة بأنها بُنيت على أنقاض منارة الإسكندرية القديمة، التي دُمرت بفعل الزلازل بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر. استخدم المعماريون حجارة المنارة في بناء القلعة، لتصبح القلعة امتدادًا رمزيًا لحضارة قديمة، وجسرًا بين عظمة البطالمة وقوة المماليك. وهكذا تحوّل الموقع من منارة تهدي السفن، إلى قلعة تحمي السواحل.

دور دفاعي حاسم عبر العصور
لعبت قلعة قايتباي دورًا دفاعيًا محوريًا طوال عدة قرون. فخلال فترة الاحتلال العثماني، تم تعزيز تحصيناتها، واستخدمت كمركز لتمركز الجنود. وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798، واجهت القلعة المدافع الفرنسية ببسالة، لكنها تضررت كثيرًا من القصف. ثم شهدت أعمال ترميم وتحديث في عهد محمد علي، لتستمر القلعة في أداء وظيفتها حتى العصر الحديث.

تحوّل إلى معلم أثري وسياحي
في العصر الحديث، لم تعد القلعة موقعًا عسكريًا، بل أصبحت معلمًا أثريًا وسياحيًا مهمًا، يتوافد إليه الزوّار من داخل مصر وخارجها. وتُعد القلعة اليوم رمزًا من رموز الإسكندرية، ومن أبرز الأماكن التي تمزج بين التاريخ والبحر. يمكن للزائر أن يتجول داخل ممراتها الحجرية، ويصعد إلى أبراجها ليرى مشهدًا بانوراميًا رائعًا للبحر والميناء الشرقي.

قلعة تحكي قصة أمة
قلعة قايتباي ليست مجرد بناء من الحجارة، بل سجل حيّ يحكي تاريخ مصر العسكري، ومثال على الصمود والعزة. هي نتاج عبقرية مملوكية، وتاريخ بطولي ممتد، من منارة الإسكندرية إلى مدافع الحروب الصليبية، ومن الغزاة العثمانيين إلى عصر النهضة المصرية. تمثل القلعة نموذجًا فريدًا للعمارة الدفاعية الإسلامية، وشاهدًا على أن مصر كانت دائمًا قادرة على حماية شواطئها وأرضها من أي تهديد.

خاتمة تلخّص المجد
ستظل قلعة قايتباي رمزًا للفخر القومي، وعلامة بارزة في ذاكرة الإسكندرية ومصر كلها. فهي تحكي للأجيال قصة بناء ودماء، ونور وصمود، وجمال لا يزول مهما مرّ الزمان. وإن وقفت يومًا أمامها، وشاهدت أمواج البحر تضرب صخورها، فاعلم أنك تقف أمام جزء من تاريخ أمة لا تنكسر.

Add a review

Your email address will not be published. Required fields are marked *