المشاعر التي تغذي التدريس
بقلم: الدكتورة مارلين فايمير
لقد توسّعت قليلاً في مراجعة الجوانب العاطفية للتدريس، والتي استمر تجاهلها ـ بشكل كبير ـ في آداب البحث، وكذلك في مناقشاتنا حول التدريس.. هل يمكن أن يكون ذلك نتيجة عدم تناسب الأمور العاطفية بشكل مريح مع الثقافة الأكاديمية التي تركز على الهدف والمنطق والعقلانية؟ نحن نُدرس في بيئة يسيطر فيها المحتوى التعليمي على تفكير كثيرٍ من العاملين في مجال التدريس؛ لذا فهناك مجال ضيق لوضع الناحية العاطفية في الاعتبار.. ومع ذلك، فأنا لا أزال مقتنعة بأنه لا يمكن تطوير مهنة التدريس بالاعتماد على الناحية المنطقية العقلية فحسب؛ فالمشاعر جزء لا يتجزأ من التدريس.
هل يشعر المُعلمون الجدد بالمشاعر المرتبطة بالتدريس بشكل أكبر من زملائهم القدامى؟ في دراسة رائعة من طلاب دراسات عليا في علم الاجتماع يقومون بالتدريس لأول مرة، كتبوا 10 صفحات تعكس تجربتهم التي قام الباحثون بتحليلها بعد ذلك، و”كانت التجربة الانفعالية الهائلة من التدريس لأول مرة هي أكثر الجوانب لفتًا للانتباه في البيانات المتوافرة”.. كما كشفت المراجعة المنظمة للأوراق عن 250 مصطلحًا عاطفيًّا مختلفًا لوصف التجارب الأولى في الفصول الدراسية.
من المتعارف عليه بيننا أن العواطف إما سلبية وإما إيجابية، وفي هذه الدراسة تم ذكر المشاعر السلبية أكثر من تلك الإيجابية لكن وصف المُعلمين الجدد للمشاعر الإيجابية والسلبية جاء بشكل متساوٍ؛ بالنسبة للمشاعر السلبية التي ذُكرت في أوراقهم فقد كانت كتلك التي مررنا بها جميعًا كالخوف والعصبية والقلق والإحباط والتوتر والارتباك والضغط والإحساس بصعوبة الأمر.. بينما تضمنت قائمة المشاعر الإيجابية الفرحة والراحة والثقة والإثارة والتقدير والمتعة والترقُّب.
ما يمكن الشعور به في بداية مهنة التدريس هو أقصى هذه المشاعر وأدناها؛ فعندما يمر يوم بشكل جيد تشعر بالسعادة والفرحة، بينما تشعر باليأس عند تسلُّم أول اختبار.. وعلى الرغم من أن مهنة التدريس في حد ذاتها ليست طريقًا متعرجًا من ناحية التقدم المهني فإنها نادرًا ما تصبح طريقًا مُمهدًا، حتى المُعلمون القدامى المتمرسون غالبًا ما تنتابهم مشاعر قلق وعصبية في أول يوم دراسي.
نحن لا نحتاج إلى بحث لدعم الإحساس العام الملاحظ بأن المشاعر تؤثر على السلوك.. لكن، كيف يحدث ذلك في الفصل؟ وكيف تؤثر مشاعرنا حول المحتوى الدراسي والطلاب والقسم على عملية صنع القرار التعليمي؟ أسفر أول مرور لي في الأدب عن دراسة أخرى بالنتائج ذات الصلة بذلك الموضوع، والتي قام بها “كيث تريجويل” الذي قدم اجتهادات ممتازة في مجال التدريس، والذي حصل على 175 استجابة من أعضاء هيئة تدريس أستراليين على استبيانيْن؛ حدد الاستبيان الأول هذه الاجتهادات من جانب المُعلم، وهي تلك التي تطور الفهم التصوري وتركز أكثر على الطالب، أو تلك التي تنقل المعرفة بينما ينصب تركيزهاعلى المُعلم.. أما الاستبيان الثاني فاحتوى على 20 عاطفة على لائحة التدريس، واستخدم “كيث” مجموعة متنوعة من الأساليب الإحصائية لمقارنة الإجابات الفردية على استبياناته.
“المعلمون الذين يصفون مستويات أعلى من العواطف كالفخر والتحفيز وأقل إحباطًا هم أولئك الذين يعبرون عن تجربتهم في التدريس على ضوء التركيز على أفعال الطالب وتجربته بشكل أكبر” (ص617).. وعندما يرتفع الشعور بالقلق أو العصبية إلى مستويات عالية نسبيًّا يميل المُعلمون بشكل أكبر إلى نهج اتباع تقارير تركز على نقل المعرفة، وإذا كان الحرج هو الشعور السائد، يصف المُعلمون ذلك باستخدام أساليب تركز أكثر على المُعلم.
يشير استنتاجه الرئيس إلى أن “هناك علاقات منتظمة بين الطرق التي يشعر بها المُعلمون عاطفيًّا بسياق التدريس والطرق التي يتناولون بها تدريسهم” (ص 617).. لن يعتقد معظمنا أن هذه النتيجة غير متوقعة، لكنها مع ذلك لا تحل مُعضلة الدجاجة والبيضة! وهل هذه الطرق هي التي تؤدي إلى هذه الاستجابات العاطفية أم نحن نبدأ بالمشاعر وهي بدورها تأخذنا في اتجاه أساليب تعليمية محددة؟
لا أزال أبحث عن عمل يتناول المسار العاطفي عبر مسيرات العمل في التدريس على نطاق عاطفي أوسع، بعيدًا عن المشاعر السلبية اليومية مع الطلاب الذي لا يُنصتون في أثناء الدرس وهؤلاء الذين لا يحضّرون دروسهم ويتوقعون إعفاءات خاصة.. وكذلك بعيدًا عن اللحظات السعيدة عندما يكلل مجهودنا بالنجاح مع أحد الطلاب، أو عند تلقي مجاملة هادئة من شخص ما بشكل غير متوقع.
ماذا عن الطاقة العاطفية المستمرة الجيدة اللازمة للتدريس؟ وما المحفزات؟ وماذا يحدث في حالة عدم وجود وقود عاطفي؟ وإلى متى يمكننا الاستمرار في التدريس دون وضع المشاعر في الاعتبار؟